فصل: مسائل القبض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***


مسائل القبض

مسألة ‏(‏500‏)‏‏:‏ يجوز للمشتري التصرُّف في المبيع المتعيِّن قبل قبضه‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعيُّ‏:‏ لا يجوز، إلا أنَّ أبا حنيفة وافقنا في العقار‏.‏

لنا‏:‏ 2353- ما روى الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن سِماك عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر قال‏:‏ كنت أبيع الإبل بالبَقِيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فأتيت النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد أن يدخل حُجْرَته، فأخذت بثوبه، فسألته، فقال‏:‏ ‏"‏إذا أخذت واحدًا منهما بالآخر، فلا يفارقك وبينك وبينه بيعٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رواه أصحاب ‏"‏ السنن الأربعة ‏"‏ من حديث سِماك، وصحَّحه الدَّارَقُطْنِيُّ والحاكم، وقال التزمذيُّ‏:‏ لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سِماك، وروى داود بن أبي هند هذا عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر موقوف‏.‏

ورواه النسائيُّ من رواية أبي هاشم عن سعيد عن ابن عمر قوله، ومن رواية موسى بن نافع عن سعيد قوله‏.‏

2354- وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدَّثني أبي عن أبي داود قال‏:‏ كنت عند شعبة، فجاءه خالد بن طليق- يعني‏:‏ ابن محمَّد بن عمران بن حُصين، قال عبد الله‏:‏ لا أدري كان قاضي أو أمير البصرة- قال‏:‏ فسأله عن حديث سِماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اقتضاء الذهب من الوَرِق، أو الوَرِق من الذهب، فقال له شعبة‏:‏ أصلحك الله، حدَّثني قتادة عن سعيد بن المسيِّب عن ابن عمر لم يرفعه، وحدَّثني داود بن أبي هند عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر لم يرفعه‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثني فلان ذكر رجلا- قال أبو عبد الرحمن‏:‏ أراه أيُّوب، و لكن سقط- عن سعيد بن جُبير عن ابن عمر لم يرفعه، ورفعه سماك، وأنا أهابه‏.‏

2355- وقال البخاريُّ في ‏"‏التاريخ ‏"‏‏:‏ محمَّد بن بيان التغلبيُّ، أخو عمر بن بيان، قال أبو عبد الله‏:‏ قال لنا مالك بن إسماعيل عن شَريك عن ابن أبي ليلى عن محمَّد بن بيان عن ابن عمر‏:‏ كره أخذ الدنانير من الدراهم في القرض‏.‏

ولم ير في البيع بأسًا‏.‏

وقال سعيد بن المسيَّب وغيره عن ابن عمر‏:‏ لا بأس به‏.‏

وهذا أصح‏.‏

2356- وقال لنا المقرئ وآدم‏:‏ ثنا حمَّاد بن سلمة عن سِماك عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر‏:‏ كنت أبيع، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا بأس به‏"‏‏.‏

وروى داود عن سعيد عن ابن عمر قوله O‏.‏

احتجُّوا بثلاثة أحاديث‏:‏ 2357- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال‏:‏ سمعت ابن عبَّاس قال‏:‏ أمَّا الذي نهى عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يباع حتَّى يقبض فالطعام‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ و لا أحسب كلَّ شيء إلا مثله‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

2358- الحديث الثاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا حسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عِصْمة عن حَكِيم بن حزام قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، إنِّي رجلٌ أبتاع هذه البيوع، فما يحلُّ لي منها، وما يحرم عليَّ منها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يا ابن أخي، لا تبيعن شيئًا حتَّى تقبضه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه النسائيُّ عن إسحاق بن منصور عن عبيد الله بن موسى عن شيبان به، ورواه من رواية هشام الدَّستوائيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن رجلٍ عن يوسف بن ماهك به‏.‏

وقال أبو محمَّد بن حزم‏:‏ عبد الله بن عِصْمة مجهولٌ‏.‏

وصحَّح الحديث من رواية يوسف نفسه عن حكيم، لأنَّه قد جاء التصريح بسماعه منه في هذا الحديث في بعض الروايات، والصحيح أنَّ بين يوسف وحكيم في هذا الحديث‏:‏ عبد الله بن عصمة، وهو الجشميُّ، حجازيُّ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏الثقات‏"‏‏.‏

وقال عبد الحق- بعد ذكره هذا الحديث-‏:‏ عبد الله بن عصمة ضعيفٌ جدًّا‏.‏

وتبعهُ على تضعيفه ابنُ القطَّان، وكلاهما مخطئ في ذلك، وقد اشتبه عليهما‏:‏ عبد الله بن عصْمة هذا، بالنصيبيِّ، أو غيره ممن يسمَّى‏:‏ عبد الله بن عِصْمة، والله أعلم O‏.‏

2359- الحديث الثالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني أبو الزناد عن عبيد بن ‏[‏حنين‏]‏ عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ قدم رجلٌ من أهل الشَّام بزيتٍ، فساومتُه فيمن ساومه به من التجَّار، حتَّى ابتعته منه، فقام إليَّ رجلٌ فأربحني فيه حتَّى أرضاني، فأخذت بيده لأضرب عليها، فأخذ رجلٌ بذراعي من خلفي، فالتفتُّ إليه، فإذا زيد بن ثابتٍ، فقال‏:‏ لا تبعه حيث ابتعته حتَّى تَحُوزَه إلى رحلك، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عن ذلك؛ فأمسكت يدي‏.‏

وقد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على غير المتميِّز‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث‏:‏ أبو داود عن محمَّد بن عوف الطائيُّ عن أحمد ابن خالد الوهبيِّ عن ابن إسحاق بنحوه، ورواه أبو حاتم البستيُّ عن أبي يعلى الموصليِّ عن أبي خيثمة عن يعقوب به، وأخرجه الحاكم في ‏"‏ المستدرك‏"‏‏.‏

وإسناده جيِّدٌ، وقد صرَّح فيه ابن إسحاق بالتحديث، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏501‏)‏‏:‏ التخلية في المبيع المنقول ليست قبضًا‏.‏

وعنه‏:‏ أنَّها قبضٌ، كقول أبي حنيفة‏.‏

2360- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله ثنا نافع عن عبد الله قال‏:‏ كانوا يتبايعون الطعام جِزَافًا في أعلى السوق، فنهاهم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيعوه حتَّى ينقلوه‏.‏

2361- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال‏:‏ أخبرني عبد الله بن دينار قال‏:‏ سمعت ابن عمر يقول‏:‏ عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتَّى يقبضه‏"‏‏.‏

الطريقان في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

وفي حديث ابن عمر في المسألة قبلها دليل لنا أيضًا‏.‏

مسألة ‏(‏502‏)‏‏:‏ إذا تلف المبيع المتعيِّن قبل قبضه، فهو من ضمان المشتري‏.‏

وقال مالك‏:‏ يكون من ضمانه إن امتنع من القبض مع قدرته عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعيُّ‏:‏ هو من ضمان البائع، وعن أحمد نحوه‏.‏

2362- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى عن ابن أبي ذئب قال‏:‏ حدَّثني مخلد بن خُفاف بن إيماء عن عروة عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏الخراج بالضمان‏"‏‏.‏

2363- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا إسحاق بن عيسى قال‏:‏ حدَّثني مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة‏:‏ أنَّ رجلاً ابتاع غلامًا له، فاستغلَّه، ثم وجد به عيبًا، فردَّه بالعيب، فقال البائع‏:‏ غَلَّةُ عبدي‏.‏

فقال النبيُّ‏:‏ ‏"‏الغلَّة بالضمان‏"‏‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ معنى الحديث‏:‏ أن الرجل يشتري المملوك فيستغلُّه، ثم يجد به عيبًا كان عند البائع، فيقتضي أنه يرد العبد على البائع بالعيب، ويرجع بالثمن فيأخذه، وتكون له الغلَّة طيِّبة- وهي الخراج-، وإنما طابت له لأنَّه كان ضامنًا للعبد، لو مات مات من مال المشتري لأنَّه في يده‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن أبي ذئب عن مخلد‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ السنن الأربعة ‏"‏، وحسَّنه الترمذيُّ، و صحَّحه ابن القطَّان، ووهم صاحب ‏"‏ الإلمام ‏"‏ في حكايته عن الترمذيِّ تصحيحه‏.‏

وحديث الزنجيِّ عن هشام‏:‏ رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصحَّحه، وقال أبو داود‏:‏ هذا إسناد ليس بذاك‏.‏

ورواه الترمذيُّ عن يحيى بن خلف عن عمر بن عليٍّ- وهو المقُدَّمِيُّ- عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أنَّ الخراج بالضمان‏.‏

وقال‏:‏ حسنٌ غريبٌ من حديث هشام بن عروة، واستغرب محمَّد بن إسماعيل هذا من حديث عمر بن عليٍّ، ورواه مسلم بن خالد الزِّنجيُّ وجرير عن هشام، وحديث جرير يقال‏:‏ إنَّه تدليس، لم يسمعه من هشام O‏.‏

مسائل الردِّ بالتدليس والعيب

مسألة ‏(‏503‏)‏‏:‏ إذا اشترى مُصَرَّاة ثبت له خيار الفسخ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يثبت‏.‏

2364- قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنَّ رسول الله- جمع قال‏:‏ ‏"‏لا تُصَرُّوا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها‏:‏ إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردَّها وصاعًا من تمر‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏504‏)‏‏:‏ إذا اشترى حيوانا وقبضه، فحدثَ به عنده عيبٌ، لم يثبت له الفسخ‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ إن حدث في مدَّة ثلاثة أيَّام ملك، إلا‏:‏ الجذام والبرص والجنون، فإنَّه يملك بها الفسخ إلى سنة‏.‏

ونحن نقيس على ما لو ظهر بعد السنة‏.‏

احتجُّوا بما‏:‏ 2365- روى الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏عهدة الرقيق أربع ليالٍ‏"‏‏.‏

قال قتادة‏:‏ وأهل المدينة يقولون‏:‏ ثلاث ليال‏.‏

2366- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏عهدة الرقيق ثلاثة أيام‏"‏‏.‏

2367- وقال ابن ماجة‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا عَبْدة ابن سليمان عن سعيد عن قتادة عن الحسن- إن شاء الله- عن سَمُرة بن جُنْدُب قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏عهد‏"‏ الرقيق ثلاثة أيَّام‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ قال أحمد‏:‏ ليس فيه حديثٌ صحيحٌ، ولا يثبت ‏[‏حديث العهدة‏]‏‏.‏

ز‏:‏ حديث الحسن عن عقبة‏:‏ رواه أبو داود عن مسلم عن أبان عن قتادة به، وعن هارون بن عبد الله عن عبد الصمد ‏[‏عن‏]‏ همَّام عن قتادة بإسناده ومعناه، وهو أتمُّ‏.‏

وقد تقدَّم رواية الإمام أحمد له عن عبد الصمد عن هشام، فكأنَّ عبد الصمد رواه عنهما‏.‏

ورواه ابن ماجة عن عمرو بن رافع عن هُشيم عن يونس عن الحسن نحوه‏:‏ ‏"‏لا عهد‏"‏ من بعد أربع‏"‏‏.‏

2368- وقال أحمد‏:‏ حدَّثنا هُشيم أخبرني يونس عن الحسن عن عقبة ابن عامر الجهنيِّ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا عهدة بعد أربع‏"‏‏.‏

و قال عليُّ بن المدينيِّ‏:‏ لم يسمع الحسن من عقبة شيئًا‏.‏

2369- وقال الطبرانيُّ‏:‏ حدَّثنا عُبيد بن غنَّام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ‏(‏ح‏)‏ قال‏:‏ وحدَّثنا عبدان بن أحمد ثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير، قالا‏:‏ ثنا عَبْدة بن سليمان ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏عهدة الرقيق ثلاثة أيَّام‏"‏‏.‏

ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن ابن نُمير به‏.‏

والخلاف في سماع الحسن من سَمُرة مشهورٌ، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏505‏)‏‏:‏ شرط البراءة من العيوب حال العقد لا يصحُّ، وهل يبطل العقد أم لا‏؟‏ مبنيٌّ على الشروط الفاسدة، هل تُبطل العقد‏؟‏ على روايتين‏.‏

وعنه‏:‏ أنَّه يصحُّ البراءة من العيوب التي لم يعلمها ويدلسها، وبه قال مالك‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يصحُّ بكلِّ حالٍ‏.‏

وعن الشافعيِّ‏:‏ كقولنا، وكقول أبي حنيفة، وقول ثالثٌ‏:‏ إن كان العيب ظاهرًا لم يصح، وإن كان باطنًا صحَّ‏.‏

2370- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لَهِيعةَ عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شِمَاسة عن عقبة بن عامر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏المسلم أخو المسلم، لا يحلُّ لامرئ مسلم أن يغيِّب ما بسلعته عن أخيه إن علم بذلك تركها‏"‏‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث ابن ماجة عن ابن بشَّار عن وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيُّوب عن يزيد، و لفظه‏:‏ ‏"‏المسلم أخو المسلم، ولا يحلُّ لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له‏"‏‏.‏

ورواه الحاكم من رواية يحيى بن أيُّوب، وقال‏:‏ على شرط البخاريِّ ومسلم‏.‏

وقد روى مسلمٌ من حديث الليث وغيره عن يزيد بإسناده‏:‏ ‏"‏المؤمن أخو المؤمن، ولا يحلُّ للمؤمن أن لمتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، حتَّى يذر‏"‏‏.‏

كذا رواه‏.‏

وقال البخاريُّ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏‏:‏ وقال عقبة بن عامر‏:‏ لا يحلُّ لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبر به‏.‏

هكذا ذكره موقوفًا معلقًا O‏.‏

2371- قال أحمد‏:‏ ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا أبوجعفر الرازيُّ ثنا أبو سباع قال‏:‏ اشتريت ناقةً، فلما خرجت بها، أدركَنا واثلة بن الأَشقع وهو يجرُّ رداءه، فقال‏:‏ يا عبد الله، اشتريت‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ هل بيَّن لك ما فيها‏؟‏ قلت‏:‏ وما فيها‏؟‏‏!‏ إنَّها لسمينةٌ ظاهرةُ الصَّحة‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ أردت بها سفرًا، أم أردت بها لحمًا‏؟‏ قلت‏:‏ بل أردت عليها الحجَّ‏.‏

قال‏:‏ فإنَّ بخفِّها نقبًا‏.‏

فقال صاحبها‏:‏ أصلحك الله، ما تريد إلى هذا‏؟‏ تفسد عليَّ‏!‏ قال‏:‏ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏لا يحلُّ لأحد يبيع شيئًا إلا بيَّن ما فيه، ولا يحلُّ لمن يعلم ذلك إلا بيَّنه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الإسناد غير مخرَّج في شيء من ‏"‏ الكتب السِّتَّة‏"‏‏.‏

وأبو سباع‏:‏ ليس بالمشهور، ولم أره في كتاب ابن أبي حاتم‏.‏

وأبو جعفر الرازيُّ‏:‏ اسمه عيسى بن ماهان، وهو مختلفٌ فيه‏.‏

2372- وقد روى ابن ماجة عن عبد الوهاب بن الضحَّاك عن بقيَّه بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن مكحول وسليمان بن موسى عن واثلة مرفوعًا‏:‏ ‏"‏من باع عيبًا لم يبيِّنه لم يزل في مقتٍ من الله، ولم تزل اللائكة تلعنه‏"‏‏.‏

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ O‏.‏

مسألة ‏(‏506‏)‏‏:‏ يصحُّ الإبراء من الدَّين المجهول‏.‏

وعنه‏:‏ لا يصحُّ، كقول الشافعيِّ‏.‏

لنا‏:‏ حديث أمِّ سلمة‏:‏ أنَّ رجلين اختصما إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواريث درست، فقال‏:‏ ‏"‏استهما، وتوخَّيا الحقَّ، وليحلُّ كلُّ واحدٍ منكما صاحبَه‏"‏‏.‏

فجوَّز لهما الإبراء من الحقوق الدارسة، وسيأتي هذا الحديث بإسناده في ‏"‏مسائل الدعاوى ‏"‏- إن شاء الله تعالى-‏.‏

مسألة ‏(‏507‏)‏‏:‏ العبد لا يملك إذا مُلِّك‏.‏

وعنه‏:‏ يملك، كقول مالك والشافعيِّ في القديم‏.‏

ونحن نستدل‏:‏ بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 76‏]‏‏.‏

احتجُّوا بحديثين‏:‏ 2373- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏من باع عبدًا وله مالٌ، فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع نخلاً مؤبَّرًا، فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

2374- الحديث الثاني‏:‏ قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب قال‏:‏ أخبرني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بُكير بن الأشج عن نافع عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من أعتق عبدًا وله مالٌ، فمال العبد له، إلا أن يشترط السَّيّد‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا الحديث الأوَّل‏:‏ فإنه أضافه إليه إضافة محلٍّ، كقولهم‏:‏ السرج للدابة‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ قال أحمد بن حنبل‏:‏ عبيد الله بن أبي جعفر ليس بالقويِّ في الحديث‏.‏

ز‏:‏ حديث الليث عن عبيد الله‏:‏ رواه النسائيُّ وابن ماجة، وقد رواه النسائيُّ أيضًا عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع، وليس فيه‏:‏ بكير، وهو حديثٌ رواته ثقاتٌ‏.‏

وعبيد الله بن أبي جعفر‏:‏ من العلماء العبَّاد الزهَّاد المخرَّج لهم في ‏"‏الصحيحين ‏"‏، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏508‏)‏‏:‏ الغَبْن يُثبت الفسخ‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعيُّ‏:‏ لا يُثبت‏.‏

وقال داود‏:‏ يُبطل العقد من أصله‏.‏

2375- قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن زيدان ثنا محمَّد بن عبيد ثنا موسى بن عمير عن مكحول عن أبي أمامة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من استرسل إلى مؤمن فغبنه، كان غبنه ذاك ربًا‏"‏‏.‏

قال ابن عَدِيٍّ‏:‏ عامة ما يروي موسى بن عمير لا يتابعه الثقات عليه‏.‏

2376- وقد رواه يعيش بن هشام القَرْقَسَانيُّ عن مالك عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر، وعن مالك عن الزهريِّ عن أنس، أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏غبن المسترسل ربًا‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ يعيش ضعيفٌ مجهولٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من ‏"‏ السنن ‏"‏ من جميع طرقه، وقد ذكر البيهقيُّ حديث أبي أمامة، ثم قال‏:‏ موسى بن عمير القرشيُّ هذا تكلَّموا فيه‏.‏

وذكر كلام ابن عَدِيٍّ فيه، ثم قال‏:‏ وقد روي معناه عن يعيش بن هشام القَرْقَسَانيِّ عن مالك، واختلف عليه في إسناده، وهو أضعف من هذا‏.‏

ثُمَّ ذكره بإسناده، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏509‏)‏‏:‏ إذا باع سلعة بثمنٍ مؤجَّل، لم يجز أن يعود فيشتريها بأنقصَ منه حالاً‏.‏

وقال الشافعيُّ‏:‏ يجوز‏.‏

2377- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن وهيب الدمشقيُّ ثنا العبَّاس بن الوليد بن مَزْيَد ثنا محمَّد بن شعيب بن شابور قال‏:‏ أخبرني شيبان ابن عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرني يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع قالت‏:‏ حججت أنا وأمُّ محبة، فدخلنا على عائشة، فقالت لها أمُّ محبة‏:‏ يا أمَّ المؤمنين، كانت لي جارية، وإني بعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى عطائه، وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم نقدًا‏؟‏ فقالت‏:‏ بئس ما شريت وما اشتريت‏!‏ فأبلغي زيدًا أَنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يتوب‏.‏

قالوا‏:‏ العالية امرأة مجهولة، فلا يقبل خبرها‏.‏

قلنا‏:‏ بل هي امرأة جليلة القدر معروفة، ذكرها محمَّد بن سعد في كتاب ‏"‏ الطبقات‏"‏، فقال‏:‏ العالية بنت أيفع بن شراحيل، امرأة أبي إسحاق السَّبيعيِّ، سمعَتْ من عائشة‏.‏

ز‏:‏ 2378- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأمُّ ولد زيد بن أرقم وامرأةٌ أخرى، فقالت لها أمُّ ولد زيد‏:‏ إني بعت من زيد غلامًا بثمانمائة درهم نسيئة، واشتريته بستمائة نقدًا، فقالت‏:‏ أبلغي زيدًا أن قد أبطلتَ جهادك مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن تتوب، بئس ما شريت، و بئس ما اشتريت‏!‏ هذا إسنادٌ جيدٌ، وإن كان الشافعيُّ رحمه الله قال‏:‏ إنَّا لا نثبت مثله على عائشة‏.‏

وكذلك قول الدَّارَقُطْنِيُّ في العالية‏:‏ ‏(‏مجهولةٌ لا يحتجُّ بها‏)‏ فيه نظرٌ، وقد خالفه غيره، ولولا أنَّ عند أم المؤمنين علمًا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تستريب فيه أنَّ هذا محرمٌ لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏510‏)‏‏:‏ إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن‏:‏ تحالفا إذا كانت السلعة باقية، وإن كانت قد تلفت تحالفًا أيضًا، ويفسخ البيع، ويرجع على المشتري بالقيمة‏.‏

وعنه‏:‏ القول قول المشتري، ولا يتحالفان، وبه قال أبو حنيفة‏.‏

وعن مالك كالروايتين‏.‏

2379- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثني محمَّد بن إدريس الشافعيُّ أنا سعيد ابن سالم أنا ابن جريج أنَّ إسماعيل بن أميَّة أخبره عن عبد الملك بن عمير أنه قال‏:‏ حضرتُ أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأتاه رجلان يتبايعان سلعة، فقال هذا‏:‏ أخذتُ بكذا وكذا، وقال هذا‏:‏ بعتُ بكذا وكذا، فقال أبو عُبيدة‏:‏ أُتي عبد الله بن مسعود في مثل هذا، فقال‏:‏ حضرتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذا، فأمر بالبائع أن يستحلف، ثم يخيَّر المبتاع‏:‏ إن شاء أخذ، وإن شاء ترك‏.‏

2380- وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ قرأت على أبي‏:‏ وكيع عن المسعوديِّ عن القاسم عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بيِّنة، فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادَّان‏"‏‏.‏

2381- وقال الترمذيُّ‏:‏ ثنا قتيبة ثنا سفيان عن ابن عجلان عن عون ابن عبد الله عن ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا اختلف المتبايعان، فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار‏"‏‏.‏

2382- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن الحسين بن سعيد الهَمْدَانيُّ ثنا أحمد بن إبراهيم الدمشقيُّ ثنا هشام بن عمَّار ثنا ابن عيَّاش ثنا موسى بن عقبة عن محمَّد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جدِه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا اختلف المتبايعان في البيع، والسلعة كما هي لم تستهلك، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان البيع‏"‏‏.‏

2383- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا البغويُّ أنا عثمان بن أبي شيبة ثنا هُشيم أنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال‏:‏ باع عبد الله بن مسعود من الأشعث رقيقًا من رقيق الإمارة، واختلفا في الثمن، فقال عبد الله‏:‏ بعتك بعشرين ألفا، وقال الأشعث‏:‏ اشتريت منك بعشرة آلاف‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ إن شئت حدَّثتك بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال‏:‏ هات‏.‏

قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و يقول‏:‏ ‏"‏إذا اختلف البيِّعان، والبيع قائم بعينه، وليس بينهما بيِّنة، فالقول ما قال البائع، أو يترادَّان البيع‏"‏‏.‏

فقال الأشعث‏:‏ أرى أن ترد البيع‏.‏

2384- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا ابن صاعدٍ ثنا محمَّد بن الهيثم القاضي ثنا هشام بن عمَّار ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن موسى بن عقبة عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدِّه عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا اختلف المتبايعان، استحلف البائع، وكان المبتاع بالخيار‏:‏ إن شاء أخذ، وإن شاء ترك‏"‏‏.‏

2385- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا الحسن ابن جعفر بن مدرار ثنا عمِّي ثنا الحسن بن عمارة عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا اخلف البيِّعان، فالقول ما قال البائع، فإذا استهلك فالقول ما قال المشتري‏"‏‏.‏

2386- وقال أبو أحمد بن عَدِيٍّ‏:‏ حدَّثنا عليُّ بن سعيد ثنا إبراهيم بن مُجَشِّر ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن سعيد بن المرزبان عن الشعبيِّ عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا اختلف البيِّعان، فالقول ما قال البائع‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ في هذه الأحاديث مقالٌ، فإنَّها مراسيلٌ وضعافٌ‏.‏

أبو عُبيدة لم يسمع من أبيه ولا عبد الرحمن‏.‏

القاسم لم يسمع من ابن مسعود ولا عون بن عبد الله‏.‏

وابن عيَّاش ومحمَّد بن أبي ليلى والحسن بن عمارة وابن المرزبان كلهم ضعافٌ، قال يحيى‏:‏ ابن المرزبان ليس بشيءٍ‏.‏

ز‏:‏ حديث أبي عُبيدة عن أبيه‏:‏ رواه النسائيُّ فقال‏:‏ 2387- أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد وعبد الرحمن بن خالد- واللفظ لإبراهيم- قالوا‏:‏ ثنا حجَّاج قال‏:‏ قال ابن جريج‏:‏ أخبرني إسماعيل بن أميَّة عن عبد الملك بن عبيد قال‏:‏ حضرنا أبا عُبيدة بن عبد الله بن مسعود أتاه رجلان تبايعا سلعةً، فقال أحدهما‏:‏ أخذتها بكذا وكذا، وقال هذا‏:‏ بعتها بكذا وكذا، فقال أبو عبيدة‏:‏ أُتي ابن مسعود في مثل هذا، فقال‏:‏ حضرت النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل هذا، فأمر البائع أن يستحلف، ثم يختار المبتاع‏:‏ فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك‏.‏

كذا في رواية النسائيِّ‏:‏ ‏(‏عبد الملك بن عبيد‏)‏ وهو غير معروفٍ، وقد تقدَّم في رواية الإمام أحمد‏:‏ ‏(‏عبد الملك بن عمير‏)‏ وكأنَّه وهمٌ، فإنَّ عبد الله بن أحمد قد قال بعد ذكر الحديث‏:‏ قرأت على أبي، قال‏:‏ أُخبرت عن هشام بن يوسف في البيِّعين، في حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أميَّة عن عبد الملك بن عبيدة‏.‏

وقال أبي‏:‏ قال حجَّاج الأعور‏:‏ عبد الملك بن عبيدة‏.‏

كذا قال‏:‏ ‏(‏ابن عبيدة‏)‏، فصار في راوي هذا الحديث ثلاثة أقوال‏.‏

وحديث القاسم عن ابن مسعود‏:‏ لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السنن‏"‏، وقد رواه أحمد من وجه آخر، فقال‏:‏ 2388- حدَّثنا ابن مهديٍّ ثنا سفيان عن مَعْن عن القاسم عن عبد الله عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا اختلف البيِّعان والسلعة كما هي، فالقول ما قال البائع، أو يترادان‏"‏‏.‏

وحديث عون عن ابن مسعود‏:‏ لم يروه من أصحاب ‏"‏ السنن ‏"‏ غير الترمذيِّ، وقال‏:‏ هو مرسل، عون لم يدرك ابن مسعود‏.‏

وقد رواه أحمد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان‏.‏

وحديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه‏:‏ رواه أبو داود عن النُّفيليِّ، ورواه ابن ماجة عن عثمان بن أبي شيبة ومحمَّد بن الصَّبَّاح، ثلاثتهم عن هُشيم به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا هُشيم قال‏:‏ أخبرني ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود، وليس فيه‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏‏.‏

2389- وقال النسائيُّ‏:‏ أخيرنا محمَّد بن إدريس ثنا عمر بن حفص ابن غياث ثنا أبي عن أبي عُميس حدَّثني عبد الرحمن بن محمَّد بن الأشعث عن أبيه عن جدِّه قال‏:‏ قال عبد الله‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏إذا اختلف البيِّعان، ويس بينهما بيِّنه، فهو ما يقول ربُّ السلعة، أو يتركا‏"‏‏.‏

كذا رواه النسائيُّ، وقد رواه أبو داود عن محمَّد بن يحيى بن فارس عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن أبي العُميس قال‏:‏ أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمَّد بن الأشعث عن أبيه عن جدِّه به، ورواه يعقوب بن سفيان عن عمر بن حفص، وقال فيه‏:‏ عبد الرحمن بن محمَّد بن قيس بن محمَّد بن الأشعث‏.‏

والذي يظهر أنَّ حديث ابن مسعود في هذا الباب بمجموع طرقه له أصلٌ بل هو حديثٌ حسنٌ يحتجُّ به، لكن في لفظه اختلافٌ كما ترى، والله أعلم O‏.‏

مسائل ما يصحُّ بيعه وما لا يصحُّ

مسألة ‏(‏511‏)‏‏:‏ لا يجوز بيع رِباع مكَّة‏.‏

وعنه‏:‏ يجوز، كقول الشافعيِّ‏.‏

2390- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن يوسف الفَزَارِيُّ ثنا محمَّد بن المغيرة ثنا القاسم بن الحكم ثنا أبو حنيفة عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نَجيح عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏مكَّة حرامٌ، وحرامٌ بيع رِباعها، وحرامٌ أجر بيوتها‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ كذا رواه أبو حنيفة مرفوعًا، ووهمَ فيه، والصحيح أنَّه موقوفٌ‏.‏

2391- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن محمَّد بن يحيى بن سعيد ثنا عبد الله بن نُمير ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏مكَّة مناخٌ، لا تباع رباعها، ولا تؤجَّر بيوتها‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ إسماعيل بن إبراهيم‏:‏ قد ضعَّفه يحيى والنسائيُّ، وأبوه إبراهيم‏:‏ قد ضعَّفه البخاريُّ، وقال يحيى بن معين‏:‏ لا بأس به‏.‏

وقال أبو بكر البيهقيُّ‏:‏ الصحيح أنَّ هذا الحديث موقوفٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من ‏"‏ السنن ‏"‏ من الوجهين‏.‏

وإبراهيم بن مهاجر هذا، هو‏:‏ البجليُّ الكوفيُّ، وهو من رجال مسلم، وقال الثوريُّ‏:‏ لا بأس به‏.‏

وضعَّفه ابن معين في رواية الدُّوريِّ وغيره‏.‏

وابنه إسماعيل‏:‏ ضعَّفوه، وقال أحمد‏:‏ أبوه أقوى منه‏.‏

والذي حكاه المؤلِّف عن ابن معين والبخاريِّ إنَّما هو في إبراهيم ابن مهاجر بن مسمار المدنيِّ، وهو متأخرٌ عن البجليِّ‏.‏

وقال البيهقيُّ بعد أن روى الحديث‏:‏ إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ضعيفٌ، وأبوه غير قويٍّ، واختلف عليه‏:‏ فروي عنه هكذا، وروي عنه عن أبيه عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا، ببعض معناه O‏.‏

2392- وقال سعيد بن منصور‏:‏ ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إن مكَّة حَرَمٌ حرَّمها الله عز وجلَّ، لا يحلُّ بيع رِباعها، ولا أجور بيوتها‏"‏‏.‏

احتجُّوا بما‏:‏ 2393- رواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا عبد الرزَّاق أنا معمر عن الزهريِّ عن عليِّ بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، أين تنزل غدًا- في حجَّته-‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏وهل ترك لنا عَقيلٌ منزلاً‏؟‏‏!‏‏"‏‏.‏

ثُمَّ قال‏:‏ ‏"‏نحن نازلون غدًا- إن شاء الله- بخيف بني كنانة‏"‏‏.‏

ثُمَّ قال‏:‏ ‏"‏لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر‏"‏‏.‏

أخرجه البخاريُّ ومسلم في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

2394- وقال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ حدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهابٍ أنَّ عليَّ بن حسين أخبره‏:‏ أنَّ عمرو بن عثمان أخبره عن أسامة أنَّه قال‏:‏ يا رسول الله، أتنزل دارك بمكَّة‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏وهل ترك لنا عَقيلٌ من رِباع أو دور‏؟‏‏!‏‏"‏‏.‏

وكان عَقيل ورث أبا طالبٍ، هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا عليٌّ شيئا، لأنَّهما كانا مسلمين، وكان عَقيل وطالب كافرين‏.‏

ز‏:‏ رواه البخاريُّ عن أصبغ عن ابن وهبٍ، ورواه مسلمٌ عن أبي الطاهر بن السرح وحَرْمَلة بن يحيى كلاهما عن ابن وهبٍ به، ورواه النسائيُّ عن يونس بن عبد الأعلى، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏512‏)‏‏:‏ لا يجوز بيع الزيت النَّجس‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز‏.‏

2395- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا حجَّاج ثنا لَيْث قال‏:‏ حدَّثني يزيد ابن أبي حبيب قال‏:‏ قال عطاء بن أبي رباح‏:‏ سمعت جابر بن عبد الله يقول‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إنَّ الله عز وجلَّ ورسولَه حرَّم بيع الخمر والميتة‏"‏‏.‏

فقيل له‏:‏ أرأيت شحوم الميتة، فإنَّه يدهن به السفن، ويستصبح به الناس‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا، هو حرام‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

2396- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عَتَّاب ثنا عبد الله أنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال‏:‏ سمعت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏إنَّ الله ورسولَه حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير‏"‏‏.‏

فقيل‏:‏ يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنَّه يدهن بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏لا، هي حرامٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا إسنادٌ حسنٌ، وهو غير مخرَّجٍ في شيءٍ من ‏"‏ السنن ‏"‏ O‏.‏

2397- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا محمَّد بن مصعب ثنا الأوزاعيُّ عن الزهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن ميمونة زوج النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أنَّها استفتت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فأرةٍ سقطت في سمن لهم جامد، فقال‏:‏ ‏"‏ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه البخاريُّ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه البخاريُّ من حديث الأوزاعيِّ، إنَّما رواه من حديث سفيان وغيره عن الزهريِّ، وليس عنده‏:‏ ‏(‏جامد‏)‏‏.‏

ومحمَّد بن مصعب هو‏:‏ القَرْقَسَانيُّ، وقد تكلَّموا فيه، قال يحيى بن معين‏:‏ لم يكن من أصحاب الحديث، كان مغفلاً‏.‏

وقال أبو حاتم الرازيُّ‏:‏ هو ضعيف الحديث‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ لا بأس به‏.‏

ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السنن ‏"‏ أيضًا من حديث الأوزاعيِّ‏.‏

وقد روى هذه اللفظة- وهي قوله‏:‏ ‏(‏جامد‏)‏-‏:‏ النسائيُّ من رواية ابن مهديٍّ عن مالك عن الزهريِّ، والبيهقيُّ من رواية حجَّاج بن منهال عن سفيان‏.‏

والظاهر أنَّها خطأٌ، فإنَّ أكثر أصحاب مالك وسفيان لم يذكروا هذه اللفظة، ولأن الغالب على سمن الحجاز أن يكون مائعًا، وكونه جامدًا نادر، والسؤال في الغالب لا يقع إلا على الغالب، ولأنَّ حكم الجامد ظاهرٌ، وإنَّما المشكل المائع، فالظاهر أنَّ السؤال كان عنه، أو عن أعمّ منه، فأجاب النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستفصل، والله أعلم‏.‏

2398- وقد قال البخاريُّ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏‏:‏ ثنا عبدان أنا عبد الله- يعني‏:‏ ابن المبارك- عن يونس عن الزهريِّ عن الدابة تموت في الزَّيت أو السمن، وهو جامدٌ أو غير جامدٍ، الفأرة أو غيرها، فقال‏:‏ بلغنا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بفأرة ماتت في سمن، فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أُكل‏.‏

عن حديث عبيد الله بن عبد الله O‏.‏

2399- وقال أبو داود‏:‏ حدَّثنا الحسن بن عليٍّ ثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عق الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا وقعت الفأرة في السمن‏:‏ فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وان كان مائعًا فلا تقربوه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يروه من أصحاب ‏"‏ الكتب السِّتَّة ‏"‏ غير أبي داود، وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الرزَّاق، ورجاله وإن كانوا رجال ‏"‏ الصحيحين ‏"‏ فإنَّه خطأٌ من وجوه كثيرة، ذكرتها في غير هذا الموضع، والصواب حديث الزهريِّ عن عبيد الله‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ وهو حديثٌ غير محفوظٍ، وسمعت محمَّد بن إسماعيل يقول‏:‏ حديث مَعمَر عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا خطأٌ، والصحيح حديث الزهريِّ عن عبيد الله عن ابن عبَّاس عن ميمونة‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ سألت أبي عن حديثٍ رواه ابن أبي مريم عن عبد الجبَّار بن عمر الأيليِّ عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفأرة تقع في السمن، فقال‏:‏ ‏"‏إن كان جامدًا‏.‏

‏"‏ الحديث‏.‏

قال ابن أبي حاتم‏:‏ ورواه مَعْمَر عن الزهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال أبي‏:‏ كلاهما وهمٌ، والصحيح‏:‏ الزهريُّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس عن ميمونة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O‏.‏

احتجُّوا بما‏:‏ 2400- رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال‏:‏ حدَّثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتديِّ ثنا بكر بن سهل ثنا شعيب بن يحيى ثنا يحيى بن أيُّوب عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال‏:‏ سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفأرة تقع في السمن والوَدَك، فقال‏:‏ ‏"‏اطرحوها، واطرحوا ما حولها إن كان جامدًا، وإن كان مائعًا فانتفعوا به، ولا تأكلوه‏"‏‏.‏

2401- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثني عمر بن محمَّد بن القاسم النيسابوريُّ ثنا محمَّد بن أحمد بن راشد الأصبهانيُّ ثنا محمَّد بن عبد الرحيم البرقيُّ ثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن بشير عن أبي هارون عن أبي سعيد قال‏:‏ سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفأرة تقع في السمن والزيت، قال‏:‏ ‏"‏استصبحوا به، ولا تأكلوه ‏"‏ أو نحو ذلك‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا الحديث الأوَّل‏:‏ ففيه يحيى بن أيُّوب، قال أبو حاتم الرازيُّ‏:‏ لا يحتجُّ به‏.‏

قال‏:‏ وشعيب بن يحيى ليس بمعروفٍ‏.‏

وفي الحديث الثاني‏:‏ أبو هارون العبديُّ، قال أحمد‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال شعبة‏:‏ لأن أقدَّم فيضرب عنقي، أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عنه‏!‏ ز‏:‏ قال البيهقيُّ في حديث ابن جريج عن ابن شهاب‏:‏ الطريق إليه غير قويٍّ، والصحيح عن ابن عمر من قوله موقوفًا عليه غير مرفوعٍ‏.‏

ثم روى بإسناده‏:‏ 2402- عن الثوريِّ عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر في فأرةٍ وقعت في زيتٍ، قال‏:‏ استصبحوا به، وادهنوا به أدمكم‏.‏

وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث ابن عمر في هذا الباب، فقال‏:‏ رواه عبد الجبَّار بن عمر الأيليُّ عن الزهريِّ عن سالم عن أبيه، وتابعه يحيى بن أيُّوب عن ابن جريج عن الزهريِّ كذلك‏.‏

وخالفهما أصحاب الزهريِّ، فرووه عن الزهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبَّاس، وهو الصحيح‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث أبي سعيد‏:‏ ورواه الثوريُّ عن أبي هارون موقوفًا على أبي سعيد‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ وهو المحفوظ O‏.‏

مسألة ‏(‏513‏)‏‏:‏ لا يجوز بيع الصوف على الظهر‏.‏

وعنه‏:‏ يجوز، كقول مالك‏.‏

2403- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسن بن إسماعيل المحامليُّ ثنا عليُّ ابن شعيب ثنا يعقوب الحضرميُّ قال‏:‏ حدَّثني عمر بن فَرُّوخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع اللبن في ضروعها، والصوف على ظهورها‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرِّج في شيءٍ من ‏"‏السنن‏"‏‏.‏

وعمر بن فَرُّوخ القتَّاب‏:‏ وثَّّقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ تفرَّد برفعه عمر بن فَرُّوخ، وليس بالقويِّ، وقد أرسله عنه وكيع، ورواه غيره موقوفًا‏.‏

2404- وقال أبو القاسم الطبرانيُّ‏:‏ حدَّثنا عثمان بن عمير الضَّبيُّ ثنا حفص بن عمر الحَوْضيُّ ثنا عمر بن فَرُّوخ- صاحي الأقتاب- ثنا حبيب بن الزبر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تباع ثمرةٌ حتَّى تطعم، ولا صوفٌ على ظهرٍ، ولا لبنٌ في ضرعٍ‏.‏

2405- رواه أبو داود في ‏"‏ المراسيل ‏"‏ عن أحمد بن أبي شعيب الحرَّانيِّ عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ لا تباع أصواف الغنم على ظهورها، و لا تباع ألبانها في ضروعها‏.‏

وعن محمَّد بن العلاء عن ابن المبارك عن عمر بن فَرُّوخ عن عكرمة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه‏.‏

ولم يكن يذكر ابن عبَّاس، ولا حبيب بن الزبير O‏.‏

مسألة ‏(‏514‏)‏‏:‏ لا يجوز بيع السرجين النجس‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز‏.‏

2406- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء عن بركة أبي الوليد عن ابن عبَّاس عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله عز وجل إذا حرَّم شيئًا حرم ثمنه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أحمد عن هشيم وعليِّ بن عاصم كلاهما عن خالد الحذَّاء به، ورواه أبو داود عن مسدَّد عن بشر بن المفضَّل وخالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء‏.‏

وبركة هو‏:‏ ابن عربان، أبو الوليد، المجاشعيُّ، البصريُّ، وثَّقه أبو زرعة O‏.‏

2407- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عبيد الله المناديُّ ثنا شَبابة ثنا أبو مالكٍ النخعيُّ عن المهاجر أبي الحسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن تميم الداريِّ عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّه لا يحلُّ ثمن شيءٍ لا يحلُّ أكله وشربه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏السنن‏"‏‏.‏

وأبو مالك النخعيُّ‏:‏ ضعَّفوه، وهو مختلفٌ في اسمه O‏.‏

مسألة ‏(‏515‏)‏‏:‏ لا يصحُّ بيِع العنب ممن يتَّخذه خمرًا‏.‏

وقال أكثرهم‏:‏ يصحُ‏.‏

2408- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا وكيع ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طُعْمة مولاهم وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقيِّ أنَّهما سمعا ابن عمر يقول‏:‏ قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لعنت الخمر على عشر وجوه‏:‏ لعنت الخمر بعينها، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والحمولة إليه، وآكل ثمنها‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود وابن ماجة من رواية وكيع، وإسناده حسنٌ، وقال شيخنا أبو العبَّاس‏:‏ هو حديثٌ جيِّدٌ، وقد رواه الجُوزجانيُّ وغيره‏:‏ من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ومن حديث ثابت بن يزيد الخَوْلانيِّ عن ابن عمر‏.‏

ورواه الترمذيُّ وابن ماجة من حديث أنس بن مالك‏.‏

وروى الإمام أحمد نحوه من حديث ابن عبَّاس‏.‏

2409- وروى أيضًا بإسناده عن مصعب بن سعد قال‏:‏ قيل لسعد‏:‏ تبيع عنبًا لك لمن يتخذه عصيرًا‏؟‏ فقال‏:‏ بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر O‏.‏

وفد احتجَّ أصحابنا بحديثٍ لا أصل له، وهو‏:‏ 2410- ما رواه أبو حاتم بن حِبَّان، قال‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن الجُنيد ثنا عبد الكريم بن عبد الله ثنا الحسن بن مسلم التاجر ثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من حبس العنب زمن القطاف، حتَّى لميعه من يهوديِّ أو نصرانيِّ، أو ممن يعلم أنَّه يتخذه خمرًا، فقد تقدَّم على النار على بصيرة‏"‏‏.‏

قال أبو حاتم بن حِبَّان‏:‏ لا أصل لهذا الحديث من حديث حسين بن واقد، فينبغي أن يعدل بالحسن عن سنن العدول، لروايته هذا الخبر المنكر‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السنن‏"‏، و ابن حِبَّان رواه في كتاب ‏"‏ الضعفاء ‏"‏ في ترجمة ‏[‏الحسن‏]‏، وقال فيه‏:‏ منكر الحديث، قليل الرواية‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ الحسن بن مسلم الواسطيُّ، روى عن الحسن بن واقد، قد روى عنه عبد الكريم بن عبد الله التاجر، سألت أبي عنه، فقال‏:‏ الحسن بن مسلم هذا لا يعرف، ويدلُّ حديثه على الكذب O‏.‏

مسألة ‏(‏516‏)‏‏:‏ لا يجوز بيع الكلب وإن كان معلَّمًا‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز‏.‏

2411- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا معمر عن الزهريِّ أنَّ أبا بكر بن عبد الرحمن أخبره أنَّه سمع أبا مسعود عقبة بن عمرو يقول‏:‏ نهى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب، ومهر البغيِّ، وحُلْوَان الكاهن‏.‏

أخرجاه في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

2412- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا يحيى بن سعيد ثنا محمَّد بن يوسف ثنا السائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيج أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏شرُّ الكسب‏:‏ ثمن الكلب، وكسب الحجَّام، ومهر البغيِّ‏"‏‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديث صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه مسلم عن محمَّد بن حاتم عن يحيى بن سعيد O‏.‏

2413- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا وكيع ثنا إسرائيل عن عبد الكريم الجزريِّ عن قيس بن ‏[‏حَبْتَر‏]‏ عن ابن عبَّاس قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مهر البغيِّ، وثمن الكلب، وثمن الخمر‏.‏

2414- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عبد الجبَّار بن محمَّد ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن ‏[‏حَبْتَر‏]‏ عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ثمن الكلب خبيث، فإذا جاءك من يطلب ثمن الكلب فاملأ فيه ترابا‏"‏‏.‏

ز‏:‏ كان فيه‏:‏ ‏(‏عبيد الله بن عمر‏)‏ وهو خطأ، والصواب‏:‏ ‏(‏ابن عمرو‏)‏ وهو‏:‏ الرَّقَّيُّ، أحد الثِّقات المخرَّج لهم في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

وقد رواه أبو داود عن أبي توبة ربيع بن نافع عن عبيد الله بن عمرو، وهذا الحديث إسناده جيِّدٌ‏.‏

وقيس بن حَبْتَر‏:‏ ثقةٌ O‏.‏

2415- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا إسحاق بن عيسى ثنا ابن لَهِيعةَ عن أبي الزبير عن جابر أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ثمن الكلب، ونهى عن ثمن السِّنَّور‏.‏

2416- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا هاشم ‏[‏ثنا‏]‏ عيسى بن المسيَّب قال‏:‏ حدَّثني أبو زُرْعة عن أبي هريرة قال‏:‏ كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي دار قومٍ من الأنصار، ودونهم دارٌ، فشقَّ ذلك عليهم، فقالوا‏:‏ يا رسول الله، تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا‏؟‏‏!‏ فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لأنَّ في داركم كلبًا‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ فإنَّ في دارهم سنَّورًا‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ السِّنَّور سبعٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن لَهِيعةَ عن أبي الزبير‏:‏ روى ابن ماجة منه ذكر السِّنَّور عن هشام بن عمَّار عن الوليد بن مسلم عنه‏.‏

وقد تابع ابن لَهِيعةَ غيره، وقد روى الحديث أبو سفيان عن جابرٍ، والله أعلم‏.‏

وحديث أبي زرعة عن أبي هريرة‏:‏ رواه ابن عَدِيٍّ والعُقيليُّ، وقال في عيسى‏:‏ لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه‏.‏

ورواه الحاكم وصحَّحه‏.‏

وقد ضعَّف عيسى أبو داود وغيره‏.‏

وقد سُئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال‏:‏ لم يرفعه أبو نُعيم، وهو أصحُّ، وعيسى ليس بقويٍّ O‏.‏

احتجُّوا بحديثين‏:‏ 2417- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا عبيد بن محمَّد بن إبراهيم الصنعانيُّ قال‏:‏ حدَّثني محمَّد بن عمر بن أبي مسلم ثنا محمَّد بن مصعب ‏[‏القَرْقَسَانيُّ‏]‏ ثنا نافع بن عمر عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عمِّه عطاء عن أبي هريرة عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏ثلاثٌ كلُّهن سحتٌ‏:‏ كسب الحجَّام، ومهر البغيِّ، وثمن الكلب، إلا الكلب الضاري‏"‏‏.‏

2418- طريقٌ آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ثنا ابن سلمة ثنا المثنَّى عن عطاء قال‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ثلاثٌ كلُّهن سحتٌ، كسب الحجَّام سحتٌ، ومهر البغيِّ سحتٌ، وثمن الكلب- إلا كلبا ضاريا سحتٌ‏.‏

2419- الحديث الثاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا إسحاق بن الجَرَّاح قال‏:‏ ثنا الهيثم بن جميل ثنا حمَّاد بن سلمة عن أبي الزبر عن جابر قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب والسِّنَّور، إلا كلب صيدٍ‏.‏

2420- الطريق الثاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقيُّ ثنا عبَّاد بن العوَّام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب والهرِّ، إلا الكلب المعلَّم‏.‏

2421- الطريق الثالث‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبَّاد بن العوَّام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب، إلا الكلب المعلَّم‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّه ليس في هذه الأحاديث ما يصحُّ‏:‏ أمَّا الأوَّل‏:‏ ففيه الوليد بن عبيد الله، وقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ‏.‏

وفي الطريق الثاني‏:‏ المثنَّى بن الصَّبَّاح، قال أحمد والرازيُّ‏:‏ لا يساوي شيئًا، هو مضطرب الحديث‏.‏

وقال النسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وأمَّا حديث جابرٍ‏:‏ فقال الدَّارَقُطْنِيُّ في الطريق الأوَّل‏:‏ رواه سُويد بن عمرو عن حمَّاد بن سلمة موقوفًا على جابرٍ، ولم يذكر النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أصحُّ‏.‏

وأمَّا الطريق الثاني والثالث‏:‏ ففيهما الحسن بن أبي جعفر، وهو ‏[‏الجُفْريُّ‏]‏، قال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال النسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

ز‏:‏ حديث عطاء عن أبي هريرة‏:‏ لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السنن ‏"‏ من الوجهين، وضعَّفه البيهقيُّ منهما‏.‏

وحديث حمَّاد بن سلمة عن أبي الزبير‏:‏ رواه النسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج بن محمَّد عنه، وقال‏:‏ هذا حديثٌ منكرٌ‏.‏

وقال مرَّةً‏:‏ ليس بصحيحٍ‏.‏

2422- وقال أبو بكر بن أبي عاصم‏:‏ حدَّثنا عبد الأعلى بن حمَّاد ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا أبو الزبير عن جابرٍ قال‏:‏ نهى- أراه النبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ثمن الكلب، إلا كلب صيدٍ‏.‏

2423- وروى البيهقيُّ من حديث عبد الواحد بن غِياث قال‏:‏ ثنا حمَّاد ثنا أبو الزبير عن جابر قال‏:‏ نهى عن ثمن الكلب و السِّنَّور، إلا كلب صيدٍ‏.‏

ثم قال‏:‏ هكذا رواه عبد الواحد، وكذلك رواه سُويد بن عمرو عن حمَّاد‏.‏

ثم قال‏:‏ ولم يذكر حمَّاد‏:‏ ‏(‏عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏، ورواه عبيد الله بن موسى عن حمَّاد بالشكِّ في ذكر النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، ورواه الهيثم بن جميل عن حمَّاد فقال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

‏)‏، ورواه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس بالقويِّ‏.‏

والأحاديث الصحاح عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النهي عن ثمن الكلب خالية عن هذا الاستثناء، وإنما الاستثناء في الأحاديث الصحاح في النهي عن الاقتناء، فلعله شبِّه على من ذكر في حديث النهي عن ثمنه- من هؤلاء الرواة الذين هم دون الصحابة والتابعين-، والله أعلم‏.‏

وحديث الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير‏:‏ لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السنن‏"‏، وطريقه الثاني والثالث واحدٌ، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏517‏)‏‏:‏ بيع الحاضر للبادي باطلٌ، بشرط أن يكون البادي حضر لبيع سلعته، أو يكون بالناس حاجةٌ إلى سلعته، وأنَّ يكون البادي جاهلاً بالأسعار، ويكون الحاضر قصد التاجر‏.‏

2424- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا يبيعنَّ حاضرٌ لبادٍ، دعوا الناس ورزق الله عز وجلَّ بعضهم من بعض‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

مسألة ‏(‏518‏)‏‏:‏ لا يجوز أن يفرَّق في البيع بين كلِّ ذي رحم محرم‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ لا يفرَّق بين الأم وولدها خاصَّة‏.‏

وقال الشافعيُّ‏:‏ لا يفرَّق بينه وبين أبويه وإن علوا، وولده وإن سفل‏.‏

لنا ثلاثة أحاديث‏:‏

2425- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن الحكم بن عُتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليِّ ابن أبي طالبٍ قال‏:‏ أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما، ففرَّقت بينهما، فذكرت ذلك للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال‏:‏ ‏"‏أدركهما، فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعًا‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّجٍ في شيءٍ من ‏"‏ الكتب السِّتَّة‏"‏، ورجاله رجال ‏"‏ الصحيحين‏"‏، لكن سعيد بن أبي عروبة لم يسمع من الحكم شيئًا‏.‏

قاله الإمام أحمد والنسائيُّ وغيرهما‏.‏

وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الوهاب ‏[‏عن سعيد عن رجل عن الحكم‏.‏

وقد روي عن عبد الوهاب‏]‏ عن شعبة عن الحكم‏.‏

وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال‏:‏ رواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة، وسعيد لم يسمع من الحكم شيئًا‏.‏

وذكر جماعةً رووه عن سعيد عن الحكم‏.‏

وأمَّا حديث شعبة‏:‏ فرواه عنه وضَّاح بن حسَّان الأنباريُّ، وتابعه إسماعيل بن أبي الحارث وعليُّ بن سهلٍ عن عبد الوهَّاب بن عطاء عن شعبة‏.‏

وقد رواه أبو بكر بن أبي عاصم عن محمَّد بن عليِّ بن ميمون عن سليمان ابن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أُنَيسة عن الحكم‏.‏

وهذا إسنادٌ لا بأس به، وسليمان‏:‏ صدَّقه أبو حاتم O‏.‏

2426- طريق آخر‏:‏ قال الترمذيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسن بن عرفة ثنا عبد الرحمن بن مهديٍّ عن حمَّاد بن سلمة عن الحجَّاج عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن عليٍّ قال‏:‏ وهب لي رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلامين أخوين، فبعت أحدهما فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يا عليٌّ، ما فعل غلامك‏؟‏‏"‏‏.‏

فأخبرته، فقال‏:‏ ‏"‏رُدَّه، رُدَّه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ قال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

ورواه عن الحسن بن قزعة، وفي نسخة‏:‏ ‏(‏ابن عرفة‏)‏ وهو الأشبه، فإنَّه كذلك في النسخة المكتوبة عن الترمذيِّ‏.‏

وقد رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى الذُّهْليِّ عن عفَّان بن مسلمٍ عن حمَّاد بن سلمة عن الحجَّاج، وهو ابن أرطاة، وقد تقدَّم الكلام فيه غير مرَّةٍ‏.‏

وميمون بن أبي شبيب‏:‏ صالح الحديث، لكن هو كثير الإرسال، قال أبو داود‏:‏ لم يدرك عليًّا، والله أعلم O‏.‏

2427- طريقٌ آخرٌ‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا البغويُّ ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن الدَّالانيِّ عن الحكم عن ميمون بن أبي شَبيْب عن عليِّ، بن أبي طالبٍ أنَّه فرَّق بين جاريةٍ وولدها، فنهاه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فردَّ البيع‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود عن عثمان به‏.‏

ويزيد بن عبد الرحمن‏:‏ صدوقٌ، وهو أقوى من الحجَّاج O‏.‏

2428- الحديث الثاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا محمَّد بن عليٍّ الورَّاق ثنا عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل عن طُلَيق بن عمران عن أبي بردة عن أبي موسى قال‏:‏ لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرَّق بين الوالدة وولدها، وبين الأخ وأخيه‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عمر بن هيَّاج عن عبيد الله بن موسى وإبراهيم بن إسماعيل هو‏:‏ ابن مجمع، ضعَّفوه، وقال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وطُلَيق‏:‏ وثقه ابن حِبَّان، ولم يرو له ابن ماجة غير هذا الحديث O‏.‏

2429- الحديث الثالث‏:‏ قال الترمذيُّ‏:‏ حدَّثنا عمر بن حفص الشيبانيُّ أنا عبد الله بن وهبٍ قال‏:‏ أخبرني حُيَيُّ بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحُبُليِّ عن أبي أيُّوب قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏من فرَّق بين والدة وولدها، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة‏"‏‏.‏

ز‏:‏ انفرد بهذا الحديث الترمذيُّ من بين أصحاب ‏"‏ السنن‏"‏، وقال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

وقد رواه ا لإمام أحمد وأبو يعلى والرُّوْيَانيُّ والطبرانيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ والحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه‏.‏

وحُيَيُّ بن عبد الله، قال أحمد‏:‏ أحاديثه مناكير‏.‏

وقال ابن معين‏:‏ ليس به بأسٌ‏.‏

وقال البخاريُّ‏:‏ فيه نظرٌ‏.‏

وقال النسائيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

ولم يخرِّج له البخاريُّ ولا مسلمٌ شيئًا‏.‏

2430- وقد روى البيهقيُّ من حديث أبي عتبة قال‏:‏ ثنا بقيَّة ثنا خالد ابن حميد عن العلاء بن كثير عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏من فرَّق بين الولد وأمِّه، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة‏"‏‏.‏

أبو عتبة هو‏:‏ أحمد بن الفرج الحمصيُّ، محلُّه الصدق‏.‏

قاله ‏[‏ابن‏]‏ أبي حاتم، وتكلَّم فيه غيره‏.‏

وقد زال ما يخشى من تدليس بقيَّة بتصريحه بالتحديث‏.‏

وخالد بن حميد هو‏:‏ الإسكندرانيُّ، لا بأس به، وثَّقه ابن حِبَّان‏.‏

والعلاء هو‏:‏ الإسكندرانيُّ، وهو صدوقٌ، لكنَّه لم يسمع من أبي أيُّوب، فيكون الحديث منقطعًا، والله أعلم O‏.‏

فصل ‏(‏419‏)‏‏:‏ ولا يجوز التفريق بعد البلوغ‏.‏

وعنه‏:‏ يجوز، كقول أبي حنيفة‏.‏

لنا‏:‏ مطلق الأخبار المتقدِّمة‏.‏

وقد احتجُّوا بما‏:‏ 2431- رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عيسى بن عليٍّ الخوَّاص ثنا أحمد بن الهيثم بن خالد ثنا عبد الله بن عمرو بن حسَّان ثنا سعيد ابن عبد العزيز قال‏:‏ سمعت مكحولاً يقول‏:‏ ثنا نافع بن محمود بن الربيع عن أبيه أنَّه سمع عبادة بن الصامت يقول‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفرَّق بين الأمِّ وولدها، فقيل‏:‏ يا رسول الله، إلى متى‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏حتَّى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ عبد الله بن عمرو هو‏:‏ الواقعيُّ، وهو ضعيف الحديث، رماه عليُّ بن المدينيِّ بالكذب، ولم يروه عن سعيد غيره‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث الحاكم وقال‏:‏ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه‏.‏

وهذا الذي قاله خطأٌ، والأشبه أن يكون هذا الحديث موضوعًا، ولم يخرِّجه أحمد ولا أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتَّة O‏.‏

مسألة ‏(‏520‏)‏‏:‏ لا يجوز المعاوضة عن عَسْب الفحل‏.‏

وقال مالك‏:‏ يجوز‏.‏

2432- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا إسماعيل ثنا عليُّ بن الحكم عن نافع عن ابن عمر‏:‏ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ثمن عَسْب الفحل‏.‏

انفرد بإخراجه البخاري‏.‏

احتجُّوا بما‏:‏ 2433- رواه الترمذيُّ، قال‏:‏ حدثنا عَبْدة بن عبد الله البصريُّ ثنا يحيى بن آدم عن إبراهيم بن حميد الرُّؤاسيُّ عن هشام بن عروة عن محمَّد بن إبراهيم التيميُّ عن أنس بن مالكٍ‏:‏ أنَّ رجلاً من كلاب سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عَسْب الفحل، فنهاه، فقال‏:‏ يا رسول الله، إنا نطرق الفحل فنُكْرَم‏.‏

فرخص له في الكرامة‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد‏.‏

ز‏:‏ رواه النسائيُّ عن عِصْمة بن الفضل عن يحيى بن آدم‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ غريبٌ من حديث هشام عن محمَّد، تفرَّد به إبراهيم عنه‏.‏

وإبراهيم‏:‏ وثَّقه ابن معين وأبو حاتم والنسائيُّ، وروى له البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ صحيحيهما‏"‏، والله أعلم O‏.‏